Jun 9, 2007

ايميل الصباح

مع قهوة الصباح وقراءة ايميلاتي كعادتي كل صباح وطبعا قبل ان ابتدي عملي اعجبني هذا الايميل واحببت ان اعرضه لكم

"على كل فلسطيني أن يروي قصته" .. قالها المفكر العربي الكبير ادوارد سعيد.
وهذا ما قام به شاعرنا الكبير محمود درويش في كتابه الأخير "في حضرة الغياب"، حيث تتقاطع السيرة الذاتية لشاعرنا مع سيرة شعبه المثقلة بالأحزان والآلام فيتحدث عن طفولته وما مر به أثناء النكبة والهجرة إلى لبنان والعودة وحصار بيروت وأوسلو والعودة إلى رام الله وغيرها من الأحداث التي تمثل حياة الملايين من الشعب الفلسطيني.

وإليكم القليل القليل مما أبدعته شعرية درويش "في حضرة الغياب"...

وتسأل: ما معنى كلمة " لاجىء"
سيقولون: هو من اقتلع من أرض الوطن.
وتسأل: ما معنى كلمة "وطن"؟
سيقولون: هو البيت، وشجرة التوت، وقن الدجاج، وقفير النحل، ورائحة الخبز، والسماء الأولى.
وتسأل: هل تتسع كلمة واحدة من ثلاثة أحرف لكل هذه المحتويات. . . وتضيق بنا؟


هناك عرفـت من آثار النكـبة المـدمـرة ما سيـدفـعـك إلى
كـراهيـة النصـف الثانـي مـن الطـفـولة. فإن كنزة صوف
واحـدة، منتـهـية الصلاحـيـة، لاتـكـفي لعـقـد صـداقـة مـع
الشتاء. ستبحث عن الدفء في الرواية، وستهرب مما أنت
فـيـه إلـى عـالـم متخـيـل مكـتوب بحـبـر عـلى ورق. أمـا
الأغاني، فلن تسمعها إلا من راديو الجيران. وأما الأحلام
فلن تجد متسعا لها في بيت طيني، مبني على عجـل كقن
دجـاج، يُحْشَرُ فيه سبعة حالمين، لاأحد منهم ينادي الآخر
باسـمه مـنـذ صـار الاسـم رقمـاً. الكـلام إشـارات يابسـة
تتبـادلونها في الضرورات القصـوى، كأن يغمى عليك مـن
سـوء التغـذية، فتُـداوى بـزيـت السـمـك . . . هـبة العـالـم
المتمدن لمن أخرجوا من ديارهم. تشربه مكرهاً كما تُكْرِِهُ
الألـم عـلـى إخـفـاء صـوتـه فـي ادعـاء الـرضـا.
غزة وأريحا أولا ً. وإذا كنتم أولاداً طيبين، فلن تكون غزة
وأريـحا أخيراً... وأخـيرا سـافـرتَ إلـى غـزة. لـم تـرها من
قـبل. كـتبتَ لها وعنـها كما رسـمت هي صـورتها: قـلـعة
محاصرة بالبحر والنخيل والغزاة والجُمّيز. قلعة لا تسقط.
غزة هي العزة المُعتزَّة باسمها المُسْتَفَزَّةُ، بلا انقطاع، من
صمت العالم على حصارها الطويل. وعلى الطريق الطويل
مـن الـقـاهـرة، عـلى رمـال سـيـنـاء، لـم تــفـلح فـي نـقـل
أحاسـيسـك المتأرجحة إلى كـلمـات واضـحـة. كـان الـكلام
عـصـياً على الوصول مـن القلب إلى اللسان، كحرف اللام
الروسي الـذي يصعد من البـطن ويقـف عند سـقف الحلق.


في الـظلام دخـلـنا، أو تسـلـلنـا إلـى غـزة. تـركتـك تمشـي
أمامي، وحملـتُ عنك خيالـك. فلسـتَ بقادر عـلى صـيانته
من الوقوع على صلابة الواقع. ورأيتك تخفي وجهك عن
إلحاح الكاميرات المنصوبة لالتقاط نشوة العائد، ولتصوير
الـكلـمـات المعـدَّة لـهجـاء المنفى. قـلـت: أتيـتُ ولم أصـلْ،
وجئـتُ ولـم أعُـدْ. لـم تكـذب عـلى أحـد ولا عـلى نفســك،
فالمناسبة ليست احتفالية. وغزة لم ترمم نفسـها بعد. كان
الدمار الذي تركه الاحـتلال يتغلغل فـي أعماقـك... وإذا لـم
تحلم بما هو أبعد فسيهرب البحر من الصـياديـن فـي لغتـك.
في ذلك الـلـيـل المقتطـع بالحواجـز والمسـتوطنـات وأبـراج
المراقبة، يحتاج المرء إلى علم جغرافيا جديد ليعرف الحدود
الـفـاصلـة بين الخطـوة والخطـوة الـتـالـيـة، وبين الممـنـوع
والمسـموح، كصـعوبة العثـور على الغامض والواضـح فـي
اتفاقية أوسلو